الاثنين، 13 أغسطس 2018

المَقَالةُ الثَّالِثَةُ فِي المَدْخَل الشيخ الروحانى محمد القبيسي 00201015003179



المَطْلَبُ الثَّالِثُ : قُدُوْمُ الشَّافِعِيِّ عَلى أهْلِ الحَدِيْثِ ، وتَصْحِيْحُهُ الطَرِيْقَ لِفِقْهِهِ وحُجِّيَّتِهِ ، دُوْنَ عِلَلِهِ وجَرْحِهِ وتَعْدِيْلِهِ ؛ فَلَمْ يُقَدِّمْ لَهُمْ فِيْهِ مَايُقَارِبُ مَاقَدَّمَهُ لَهُمْ فِي فِقْههِ وحُجِّيَّتِهِ ، بَلْ هُوَ أَخَذَ عَنْهُم ذَلِكَ :
بَرَزَ نَجْمُ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إدْرِيْسَ الشَّافِعِيِّ المُطَّلِبِيِّ القُرَشِيِّ فِي بَدْءِ أمْرِهِ وطَلَبِهِ لِلْعِلْمِ ، إذْ كَانَ بِالحِجَازِ أوَّلَ أَمْرِهِ وطَلَبِهِ لِلعِلْمِ ، ولَمْ يَرْحَلْ لِلعِرَاقِ إلاَّ بَعْدَ وَفَاةِ شَيْخِهِ الإمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ – رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْهِمَا – ، وقَد رَحَلَ لِليَمَنِ وأقَامَ فِيْهَا مُدَّةً قَبْلَ خُرُوْجِهِ لِلعِرَاقِ ، وقَدْ تُوُفِّيَ مَالِكٌ فِي رَبِيْعٍ الأوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وسَبْعِيْنَ ومِائَةٍ ، فَرِحْلَةُ الشَّافِعِيِّ لِلعِرِاقِ بَعْدَ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ ومِائَةٍ .
وأمَّا قُدُوْمُهُ لِلعِرَاقِ ؛ فَقَدْ قَدِمَهَا لِطَلَبِ العِلْمِ وتَعْلِيْمِهِ ، وجَالسَ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ صَاحِبَ أبِي حَنِيْفَةَ ، وأخَذَ عَنْهُ فِقْهَ أبِي حَنِيْفَةَ ، ونَاقَشَهُ فِيْهِ . 
قالَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍالزَّعْفَرَانِيُّ : قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ بَغْدَادَ سَنَةَ خَمْسٍ وتِسْعِيْنَ ومِائَةٍ ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا سَنَتَيْنِ ، ثُمَّ خَرَجَ إلى مَكَّةَ ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا سَنَةَ ثَمَانٍ وتِسْعِيْنَ فَأَقَامَ عِنْدَنَا أَشْهُرَاً ، ثُمَّ خَرَجَ .
ومِنْ أَشْهَرِ مَنْ قَابَلَهُمْ فِي رِحْلَتِهِ لِلعِرَاقِ ثَلاثَةٌ ؛ اثْنَانِ فِي مَقَامِ شُيُوْخِهِ وثّالِثُهُمْ فِي مَقَامِ تَلامِيْذِهِ :
فَأمَّا مَنْ هُمْ فِي مَقَامِ شُيُوْخِهِ فيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ ، وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ البَّصْرِيَّانِ ، وأمَّا مَنْ هُوَ فِي مَقَامِ تَلامِيْذِهِ فأحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ .
وبِقَدْرِ مَا اسْتَفَادَ يَحْيَى وابنُ مَهْدِيٍّ ، وأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ، وأَصْحَابُ الحَدِيْثِ مِنَ الشَّافِعِيِّ فِي أَدِلَّةِ الاحْتِجَاجِ ؛ مِنَ الكِتَابِ ، والسُّنَّةِ ، والإجْمَاعِ ، والقِيَاسِ ، ومَرَاتِبِهِم فِيْهِ ، وطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا – مِمَّا اضْطَرَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ أنْ يطَلَبَ مِنَ الشَّافِعِيِّ وهُوَ فِي مَقَامِ تِلْمِيْذِهِ أنْ يَضَعَ لَهُ كِتَابَاً فِيْهِ مَعَانِيَ القُرْآنِ ، ويَجْمَعُ فُنُوْنَ الأَخْبَارِ فِيْهِ ، وحُجَّةَ الإجْمَاعِ ، وبَيَانَ النَّاسِخِ والمَنْسُوْخِ مِنَ القُرْآنِ والسُّنَّةِ ، – فإنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَفَادَ مِنْهُم وبِالأخَصِّ مِنْ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ ؛ فِي عُلُوْمِ الحَدِيْثِ ، وبِخَاصَّةٍ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحِيْحِ والضَّعِيْفِ ، ومَا يُؤخَذُ مِنْ فَنِّ العِلَلِ ، والجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وكَتَبَ شَيْئَاً مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ .
فَأمَّا استِفَادَةُ الثَّلاثَةِ – يَحْيَى وابنِ مَهْدِيٍّ ، وأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ – مِنَ الشَّافِعِيِّ :
قالَ أبُو ثَوْرٍ : كَتَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ إلَى الشَّافِعِيِّ – وهُوَ شَابٌّ – أنْ يَضَعَ لَهُ كِتَابَاً ؛ فِيْهِ مَعَانِي القُرْآنِ ، ويَجْمَعُ فُنُوْنَ الأَخْبَارِ فِيْهِ ، وحُجَّةَ الإِجْمَاعِ ، وبَيَانَ النَّاسِخِ والمَنْسُوْخِ مِنَ القُرْآنِ والسُّنَّةِ ، فَوَضَعَ لَهُ كِتَابَ ” الرِّسَالة ” .
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ : مَا أُصَلِّي صَلاةً إلاَّ وأنَا أدْعُوْ للشَّافِعِيِّ فِيْهَا .
وقالَ هَارُوْنُ : ذَكَرَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ الشَّافِعِيَّ ، فَقَالَ : مَا رَأيْتُ أَعْقَلَ – أَو أَفْقَهَ – مِنْهُ . 
قالَ : وعَرَضَ عَلَيْهِ كِتَابَ ” الرِّسَالةِ ” لَهُ . 
وقالَ الحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ : حُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ أَنَّهُ قَالَ : أَنَا أَدْعُو اللهَ عَزَّ وجَلَّ للشَّافِعِيِّ فِي صَلاتِي مِنْذُ أَرْبِعِ سِنِيْنَ .
وقالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ عَنْ أحْمَدَ بنِ حَنْبِلٍ قَالَ : هَذَا الذَّي تَرَوْنَ كُلَّهُ – أَوْ عَامَّتَهُ – مِنَ الشَّافِعِيِّ ، ومَا بِتُّ مِنْذُ ثَلاثِيْنَ سَنَةً إلاَّ وأنَا أدْعُوْا اللهَ للشَّافِعِيِّ وأسْتَغْفِرُ لَهُ .
وقالَ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ : كَانَ الفُقَهَاءُ أَطِبَّاءَ ، والمُحَدِّثُوْنَ صَيَادِلَةً ، فَجَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إدْرِيْسَ الشَّافِعِيُّ طَبِيْبَاً صَيْدَلانِيَّاً ، مَا مَقَلَتِ العُيُوْنُ مِثْلَهُ أَبَداً .
وقالَ أبُو غَالِبٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَد بنِ النَّضْرِ الأَزْدِيُّ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبِلٍ – وسُئِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ – فَقَالَ : لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلِيْنَا بِهِ ، لَقَدْ كُنَّا تَعَلَّمْنَا كَلامَ القَوْمِ ، وكَتَبْنَا كُتُبَهُمْ ، حَتَّى قِدَمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ ، فَلَّمَا سَمِعْنَا كَلامَهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ ، وقَدْ جَالسْنَاهُ الأيَّامَ والليَاليَ ، فَمَا رَأيْنَا مِنْهُ إلاَّ كُلَّ خَيْرٍ .
وغَيْرُ هَؤلاءِ الثَّلاثَةِ مِنْ أهْلِ العِلْمِ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ وغَيْرِهِم اسْتَفَادُوْا مِنَ الشَّافِعِيِّ :
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ: كَانَتْ أَقْفِيَتُنَا أَصْحَابَ الْحَدِيثِ فِي أَيْدِي أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا تُنْزَعُ ، حَتَّى رَأَيْنَا الشَّافِعِيَّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وَكَانَ أَفْقَهَ النَّاسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَا كَانَ يَكْفِيهِ قَلِيلُ الطَّلَبِ فِي الْحَدِيثِ .
وقالَ دُبَيْسٌ : كُنْتُ مَعَ َأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ ، فَمَرَّ حُسَيْنٌ – يَعْنِي الْكَرَابِيسِيَّ – فَقَالَ : هَذَا – يَعْنِي الشَّافِعِيَّ – رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ .
ثُمَّ جِئْتُ إِلَى حُسَيْنٍ ، فَقُلْتُ : مَا تَقُولُ فِي الشَّافِعِيِّ؟ فَقَالَ : مَا أَقُولُ فِي رَجُلٍ ابْتَدَأَ فِي أَفْوَاهِ النَّاسِ الْكِتَابَ، وَالسُّنَّةَ، وَالاتِّفَاقَ؟ ! ! مَا كُنَّا نَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، نَحْنُ وَلا الأَوَّلُونَ ، حَتَّى سَمِعْنَا مِنَ الشَّافِعِيِّ الْكِتَابَ ، وَالسُّنَّةَ ، وَالإِجْمَاعَ .
قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ : كُنَّا لَو قِيْلَ لَنَا : سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قُلْنَا : هَذَا مَأْخُوذٌ ، وَهَذَا غَيْرُ مَأْخُوذٍ .حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟! ، إِذا صَحَّ الحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِهِ ؛ لَا يُتْركُ لقَوْلِ غَيْرِهِ . 
قَالَ : فَنَبَّهَنَا لشَيْءٍ لَمْ نَعْرِفُه – يَعْنِي نَبَّهَنَا لِهَذَا الْمَعْنَى – . (مختصر المؤمل في الرد إلى الأمر الأول 1/59 ) . 
وأمَّا مَاستفَادَهُ الشَّافِعِيِّ مِنَ الثَّلاثَةِ :
فَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ وعَبْدُ الرَّحمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ – وَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَتْ إلَيْهِمَا المَعْرِفَةُ بالحَدِيْثِ صَحِيْحِهِ وضَعِيْفِهِ ، مُسْتَقِيْمِهِ ومَعْلُوْلِهِ ، رِجَالِهِ ورُوَاتِهِ – قَدْ اسْتَفَادَ مِنْهُمَا الشَّافِعِيُّ وحَدَّثَ عَنْهُمَا فِي كُتُبهِ .
وأمَّا أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فَقَد اسْتَفَادَ مِنْهُ الكَثِيْرَ ، وحَدَّثَ عَنْهُ فِي كُتُبِهِ ، بَلْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ أنَّه لَمْ يَرَ بالعِرَاقِ أَعْلَمَ مِنْ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ ، وكَانَ الشَّافِعِيُّ يَرْجِعُ إلَى أحْمَدَ فِي مَعْرِفَةِ صَحِيْحِ الحَدِيْثِ مِنْ سَقِيْمِهِ .
قالَ حَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ : خَرَجْتُ مِنْ بَغْدَاذَ ومَا خَلَّفْتُ بِهَا أَفْقَهَ ولا أَزْهَدَ ولا أَوْرَعَ ولا أَعْلَمَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ .
قالَ البَيْهَقِيُّ : إنَّمَا قَالَ هَذَا إمَامُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إدْرِيْسَ الشَّافِعِيُّ عَنْ تَجْرُبَةٍ ومَعْرِفَةٍ مِنْهُ بِحَالِ أَبِي عَبْدِ اللهِ – رَحِمَهُ اللهُ – .
وقالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالأخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فَإذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيْحٌ فَأَعْلِمْنِي حَتَّى أَذْهَبَ إلَيْهِ ، كُوْفِيَّاً كَانَ ، أَوْ بَصْرِيَّاً ، أَوْ شَامِيَّاً.
وقالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ – وَذُكِرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ عِنْدَهُ – فَقَالَ : مَا اسْتَفَادَ مِنَّا أَكْثَرَ ِممَّا اسْتَفَدْنَا مِنْهُ . 
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ : قَالَ لِي أَبِي : إنِّي كُنْتُ أُجَالِسُ مُحَمَّدَ بنَ إدرِيْسَ الشَّافِعِيَّ بِمَكَّةَ ، فَكُنْتُ أُذَاكِرُهُ بِأَسْمَاءِ الرِّجَالِ ؛ فَقَالَ : رُوِّيْنَا عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ عَنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ ؛ عَنْ فُلانِ بنِ فُلانِ بنِ فُلانٍ ، فَلا يَزَالُ يُسَمِّي رَجُلاً رَجُلاً ، وأُسَمِّي لَهُ جَمَاعَةً ، ويَذْكُرُ هُوَ عَدَداً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، وأَذْكُرُ أَنَا جَمَاعَةً مِنْهُمْ .
وَقَال عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ : كُلُّ شَيءٍ فِي كِتَابِ الشَّافِعِيِّ : أَنَا الثِّقَةُ ؛ فَهُوَ عَنْ أَبِي .
وقالَ أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ : كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بَارِعَ الفَهْمِ لِمَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ بِصَحِيْحِهِ وسَقِيْمِهِ ، وتَعَلَّمَ الشَّافِعِيُّ أَشْيِاءَ مِنْ مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ مِنْهُ .
وكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُوْلُ لأَحْمَدَ : حَدِيْثُ كَذَا وكَذَا قَوِىُّ الإسْنَادِ ، مَحْفُوْظٌ ؟ فَإذَا قَالَ أَحْمَدُ : نَعَمْ ، جَعَلَهُ أَصْلاً وبَنَى عَلَيْهِ .
كِتَابُ ” الرِّسَالة ” للشَّافِعِيِّ :
فالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ أَلَّفَ كِتَابَهُ ” الرِّسَالَةَ ” لِبَيَانِ مَعَانِي الكِتَابِ والسُّنَّةِ والإجْمَاعِ ، وتَرْتِيْبِ الاحْتِجَاجِ بِهَا وطَرِيْقَةِ مَعْرِفَةِ الاسْتِدْلالِ بِهَا ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحتَاجُهُ طَالِبُ العِلْمِ ، فَقَدْ ضَمَّنَهُ مَسَائِلَ مِنْ عُلُوْمِ الحَدِيْثِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ ؛ صِحَّةً وضَعْفَاً ، اتِصَالاً وانْقِطَاعاً ، سَمَاعَاً وتَدْلِيْسَاً ، رُوَاةً ورِجَالاً ، إلاَّ أنَّه لَمْ يَتَكَلَّم عَنْ أُصُوْلِ عِلَلِ الحَدِيْثِ وقَوَاعِدِهِ ، ولا عَنْ أُصُوْلِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وقَوَاعِدِه ، وحَيْثُ إِنَّ كِتَابَهُ عُمْدَةٌ لِمَنْ بَعْدَهُ مِمَّا جَعَلَ مَنْ بَعْدَهُ يَغْفَلُ عَنْ كِتَابَتِهَا خَاصَّةً مَنْ يَعْرِفُهَا ويُمَارِسُهَا .
ثُمَّ تَابَعَ أهْلُ الحَدِيْثِ الكِتَابَةَ فِي عُلُوْمِ الحَدِيْثِ رِوَايَةً ودِرَايَةً ، إلى وَقْتِنَا هَذَا ، وسَيَأتِي فِي ” اصْطِلاحَاتِ أهْلِ الحَدِيْثِ ” الكَلامُ بالتَّفْصِيلِ عَنِ المُصَنَّفَاتِ فِي عُلُوْمِ الحَدِيْثِ مِن بَدْءِ التَّصْنِيْفِ إلى هَذَا الوَقْت بِتَيْسِيْرِ اللهِ وإعَانَتِهِ .
فَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ – رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْهِ – الكَثِيْرَ لأهْلِ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ؛ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ ، والفُقَهَاءِ ، والأُصُوْلِيِّيْنَ ، والمُفَسِّرِيْنَ ، والعَقَدِيِّيْنَ ، وغَيْرِهِم مِنْ أََهْلِ العِلْم ، وكَانَ نَصِيْبُ أَهْلِ الحَدِيْثِ الحَظَّ الأَوْفَرَ مِنْ كِتَابِه .

***
ويَأتِي فِي المَقَالَةِ الرَّابِعَةِ : تَرَاجِمِ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَةِ الكِبَارِ .
***
انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ ،
وكَتَبَه أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد
6/5/1437 هـ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق