الأحد، 5 مارس 2017

انتشار شرب الخمور من علامات الساعة الصغرى الشيخ الروحانى محمد القبيسي 00201015003179

الحمد لله، الحمد لله الذي جعل للإنسان عقلاً يحجره، وأعترف بفضله ربّي وأشكره، وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأخلع من يكفره، وأشهد أنّ نبينا محمّداً عبده ورسوله أكمل الخلق عقلاً، وأرقهم قلباً، وأزكاهم نفساً صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أولي النُهى والطاعة والتقى. أمّا بعد:
استجيبوا لنداء ربّكم إذ يناديكم قائلاً: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ ﴾ [1].
أيّها المؤمنون: ومن علامات الساعة الصغرى انتشار شرب واستحلال الخمور، حتى إنّها لتسمّى بغير اسمها، ففي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام – أحمد رحمه الله – عن عباده بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لتستحلَّنّ طائفة من أمّتي الخمر باسم يسمونها إيّاه”[2]، وفي صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه قال: سمعت من رسول صلى الله عليه وسلم حديثاً لا يحدثكم به غيري قال: “من أشراط الساعة أن يظهر الجهل، ويقل العلم، ويظهر الزنا، وتُشرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النّساء حتى يكون لخمسين امرأة قيمهن رجل واحد”[3].
ومن حكمة الله العليم الحكيم أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس ديناً وخلقاً حتّى يصبحوا كالحُمُر ينزوا بعضهم على بعض، ولعل انتشار الخمور وفشوها في بعض المجتمعات حتى تصبح كأي مأكول ومشروب هو إيذان بانحلاله وفساده، ومن ثمّ فإنَّ ذلك إشارة إلى دُنو الساعة.
ولقد انتشرت الخمور في البلدان الإسلامية، وأكثر البلدان العربية حتى أصبحت كأي سلعة تباع وتشترى على مرأى من النّاس، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقلّ أن تدخل فندقاً، أو مطعماً، أو محلاً تجارياً إلا وجدت الخمر معروضاً وبأسعار مغرية، وإنّ الشرع لم يقصد الخمر بعينها بل قصدها وما شاركها في العلّة حيث إنّ الخمر يُذهب العقل فيجعل العاقل سفيهاً والمستقيم مجرماً.
فبه تفعل كل جريمة، وترتكب كل معصية؛ ولذا سميت بأمّ الخبائث، وإن ظهور المخدرات من علامات الساعة ولاشكّ، بل لهي أشد وأخطر وأعظم أثراً من الخمر، ولقد تنوعت المخدرات وتشكّلت، وانتشرت باختلاف أسمائها وألوانها من حشيشةٍ، وهروين، وكوكائين، وغير ذلك.
أيها المسلم: لابد أن تعرف العلة من تحريم الخمر، وهو أنها تُذهب العقل؛ لذا قال رسولُنا صلى الله عليه وسلم: “كل مسكر حرام”[4]، فكل ما شمّهُ الإنسان، أو استنشقه، أو بلعه، أو شربه فأذهب عقله وكان مما يذهب العقل استوى كثيره وقليله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “ما أسكر كثيره فقليله حرام”[5].
أيّها المؤمنون: لقد انتشرت المخدرات انتشاراً لم يسبق له مثيل ولاشك أن هذا نذير شر بهلاك المجتمع ودماره، وفي مجتمعنا العربي الإسلامي نصيب عظيم من هذه المخدرات.
خرجت سفينة من إحدى الدول العربية محملة بالمخدرات حتى وصلت إلى دولة عربية مجاورة لهذه البلاد فجاءت ثلاث شاحنات وحملت تلك المخدرات دون أن تخضع للتفتيش والرقابة، وكانت قيمة تلك الحمولة قرابة ستة ملايين ريال سعودي وذلك لوجود الخونة الذين مهدوا لذلك، بل حتى عندنا هنا في بلدنا المبارك على الرغم من بذل الدولة جزاها الله خيراً جهوداً جبارة لمكافحة المخدرات إلا أنها انتشرت انتشاراً عظيماً.
أيها المسلم إن المخدرات مبدؤها النيكوتين، فهي السيجارة ثم منشطات ثم مخدرات.
أين المتعاطون للمخدرات ليقفوا على الآثار الوخيمة لهذه المخدرات التي يتعاطونها ويتناولونها ليل نهار، وقد زين لهم الشيطان أعمالهم وأشعرهم بأنّ السعادة فيها! كلا وربي بل إن الشقاء في الدنيا والآخرة في تعاطي هذه المخدرات.
أما في الدنيا فإنه يبيع دينه وشرفه وعرضه لأجل حبة أو حبتين، أرأيت شارب المخدرات فإنه على أتم الاستعداد أن يمكنك من نفسه لتنتهك عرضه ذكراً كان أو أنثى لأجل حبة؟! ويمكنك من زوجته وأخته بل وأمّه؟! فلا إله إلا الله أي عار وأي خسة وأي رذيلة وأيّ فضيحة بعد هذا؟!.
استمع – رعاك الله – ماذا تفعل المخدرات بأصحابها؟: رجل يُزوّج ابنته الصغيرة التي لا تتجاوز الرابعةَ عشرةَ من عمرها لصديقه شارب مخدرات. ضحّى بابنته وعرضه وشرفه؛ لأجل المحافظة على صاحب المخدرات.
وامرأة تشتكي حال زوجها مدمن المخدرات الذي تجاوز الخمسين من عمره ويشربها أمام أولاده، فلم يفكر أنه يدمرهم؟! بل تقول: إن الأبناء الآن يأتون بأوراق ويلفونها على شكل سيجارة الحشيشة يقلدون أباهم! بل يأتي بأصحابه ويسكرون في داخل بيته وعند أهله وأولاده، وفي يوم جمعهم على المخدرات والحشيشة، فلما طفح الكيل، وغابت العقول، وحفتهم الشياطين، اعتدى أخوة أحد السكارى الموجودين على تلك المرأة يريد أن يفعل بها الفاحشة، فلما أفاقوا أخبرت زوجها، فكأن شيئاً لم يكن!. ضحى بعرضه من أجل المخدرات، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها المؤمنون: إن العفن الفني الذي تطرقنا لبعضه في الجمعة الماضية هو والمخدرات متلازمان حتى في النصوص حيث ورد ذكرهما مع بعضهما البعض، ففي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “في هذه الأمة خسف، ومسخ، وقذف، فقال رجل من المسلمين: يا سول الله ومتى ذلك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إذا ظهرت القيان والمعازف، وشُربت الخمور”[6]. فرسولنا الكريم يخبر عن أمارة من أمارات الساعة، وانظر – رعاك ربي – للارتباط الوثيق بين ظهور المعازف والغناء وشرب الخمور.
وفي عصرنا الحاضر تسجّل حادثة قتل لفنان كبير في إحدى البلدان العربية أتدرون ماذا كانت نتيجة التحقيق؟! إنه في السبعين من عمره قد استأجر شقة يتعاطى فيها المخدرات، ويدخل عليه في اليوم العشرات من الفتيات الصغيرات يتعلمن على يديه الفن بل العفن، ولا تسأل عما يحدث بينهم، فهو سكران، وهنّ متلهّفات للشهرة، وأخيراً يعتدي على إحداهن ليفعل بها الفاحشة، ويعلم بذلك أخوها فيأتيه فيقتله في شقته وهو في سكره.
أيها المؤمنون: وأما عقوبة شارب الخمر ومثله متعاطي المخدرات في الآخرة، فغضب الله عليهم، وعذاب أليم سقيم ينتظرهم، ففي الصحيحين أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال: “من شرب الخمر في الدنيا يحرمها في الآخرة”[7]، وعند مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل مسكر حرام إنّ على الله -عز وجل – عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال”. قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: “عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار”[8]. اللهم أحينا طيبين، واحشرنا في زمرة خير المرسلين. اللهم إنا نسألك حِلَّ مطعمنا ومشربنا وملبسنا.
• • •
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أنّ نبينا محمّداً عبده ورسوله صلّى الله وسلّم عليه، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. أمّا بعد:
يقول الله عز وجل: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [9]، حيث حكم العليم الخبير بنجاسة الخمر، فالخمر خبيثة، بل هي أم الخبائث، فإذا شربها صاحبها ربما قتل وزنا ولربما كفر، وهي صعبة المراس يعز على شاربها أن يفارقها، والشيطان يزينها، ويريه السعادة في شربها وتعاطيها.
وفي هذا الزمن نرى كثيراً من المسلمين الذين يتناولون المخدرات يجدون مشقة في تركها، فيقال لهم: أتذكرون أن الخمر قبل أن ينزل تحريمها كان يتناولها جمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟، فلما نهاهم ربهم عز وجل عن شربها نهياً جازماً بكلمة واحدة ﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾ [المائدة: 90] استجابوا حتى سالت بالخمر سكك المدينة. إنها قوة الإيمان. إنها قوة التوكل على الواحد الديان. إنها قوة الإرادة والإخلاص، فلما صدقوا في توبتهم أعانهم ربهم.
أما من تركها لأجل صحته، أو خوف من الناس، فما هي إلا أيام ثم يعود كما كان، فالصدق الصدق مع الله يامن أردت، ورغبت في الخلاص منها والنجاة.
أيّها المؤمنون: إن مدمن المخدرات وشارب الخمر والمسكرات إذا لم يتب فانظروا يخشى عليه سوء الخاتمة. قال الله الكبير المتعال: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [10].
ولربما شاهدنا بعضكم حوادثهم، فمنهم من مات في دورة المياه وأنفه إلى النتن والقذارة جزاء وفاقاً، ومنهم، ومنهم. وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
ألا فربّوا أبناءكم على طاعة الله، واختاروا لهم رفقة الخيار، فتلك الوقاية بإذن الله من الوقوع في مثل ما ذكر. والله نسأل أن يحفظنا في أنفسنا وأبنائنا.

[1] سورة الحشر: آية 18.
[2] أخرجه أحمد في مسنده (5/ 318) رقم 22761.
[3] أخرجه البخاري في صحيحه (5/ 2120) رقم 5255.
[4] أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 1579) رقم 4087.
[5] أخرجه ابن ماجة في سننه (4/ 475) رقم 3392.
[6] أخرجه الترمذى في سننه (4/ 65).
[7] أخرجه البخاري في صحيحه (5/ 2119) رقم 5253.
[8] أخرجه مسلم في صحيحه (3/ 1587) رقم 2002.
[9] سورة المائدة: آية 90.
[10] سورة الجاثية: آية 21.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق